الصورة السابقة تم التقاطها عام 1429 هـ
وهي لمكان خلف المؤسسة التي كنت أعمل فيها آنذاك, وقليل ما يتواجد أحد في ذلك المكان
ركز في الصورة وتأمل الورق الجاف والمتساقط والذي لم يتعرض له أحد حتى بات كالبساط للأرض
الجو هناك هادئ .. والسكون يطغى على المكان
في ذلك العام مررت بظروف نفسية سيئة
شعرت أني اصبحت كالبركان كلما ازداد غليانا كلما اوشك على الانفجار
بعد فترة قررت أن أكف عن هذه الحماقة .. وأن أبحث عن حل عملي يوقف مسلسل الغليان المستمر
ويعينني على المحافظة على توازني لحين تجاوز تلك الأزمة
وتذكرت نصيحة صديقة فاضلة تدعى جواهر.. كنت قد تعرفت عليها في أحد المعاهد الشرعية
كانت تقول:
(يا هند كلما شعرت ان عقلك يوشك أن ينصهر, فاتركي ما بيدك واسترخي واغمضي عينيك واستغفري بطمأنينة
ستشعرين وكأنك ولدت من جديد )
نصيحة جواهر هي من أثمن النصائح التي طبقتها وما ندمت قط
حسنا .. نعود لحكايتنا هنا صورة أخرى لمكتبي آنذاك - المجاور للخزانة -
المكتب يضم عدد من الزميلات الأخريات
وأن تقوم بالاستغفار الهادئ المستمر وسط هذا الضجيج فهذا أمر مستحيل
لهذا قررت أن أبحث عن مكان منزو .. امارس فيه طقوسي : )
مكان يبعدني عن المقاطعات المتكررة .. ويجعلني أكثر استرخاء ..
وفكرت فلم اجد سوى هذا المكان المطل على تلك الشجرة خلف المؤسسة
فكنت إذا ما بدأت فترة الراحة الخاصة بالصلاة أتسلل إلى هناك وأبدأ بالاستغفار إلى أن أنتهي
ثم أعود لزميلاتي وأنا منتعشة وأكثر نشاطا
لكن ثمة أمر واجهته وبقي عالقا في ذاكرتي حتى هذه اللحظة
الحكاية
انني في أول مرة ذهبت إلى هناك
وجدت إحدى الزميلات تجلس في سكينة وتستغفر أيضا!!
-
سلمت عليها فردت السلام بهدوء .. وعاودت الاستغفار
بدا أنها اعتادت هذا الأمر منذ فترة طويلة
أصبحنا نأتي سويا ونستغفر حتى ننعتق من حالة التوتر
ثم نعود إلى العمل
أعرف تلك الزميلة الرائعة وأعرف ظروفها القاسية
لكني في ذلك الوقت اكتشفت سر ثباتها رغم تلك الظروف .. ومعين القوة التي كانت تستند إليه
-
بعد فترة فقدت حضور زميلتي تلك .. فظننتها هجرت هذه العادة
ثم بدأ برنامج تدريبي في المؤسسة ..
وكان المتدربات يجلسن في طاولة مطلة على مكاننا الهادئ
فقررت أن أبحث عن مكان آخر .. أخلو فيه بنفسي
ووقع اختياري هذه المرة على المكتبة
فهي غالبا ما تكون مفتوحة الأبواب ومطفأة الأنوار .. ولا يأتيها أحد إلا نادرا
كان مكتب الاستقبال مجاور للمكتبة
تركت زميلتي موظفة الاستقبال حتى غفلت
ثم تسللت بهدوء واخترت مكان منزو في المكتبة المكيفة والمظلمة والهادئة
وبدأت تمرين الاسترخاء بالاستغفار
وفجأةسمعت همس قريب وشعرت بحركة قريبة مني .. فزعت
وقلت - بصوت منخفض - : هل يوجد أحد هنا؟
ردت صاحبتي تلك .. بصوت أكثر انخفاضا :
نعم أنا يا هند :)
كان منظرنا مضحك للغاية
أما فقد تصرمت ملامحي من شدة الاحراج
لأن الفتاة تنتقي أماكن منزوية .. لتنظف فيها روحها من شوائب الحياة بالاستغفار ..
وأنا في كل مرة أقتحم عليها عزلتها .. دون أن أعلم
-
اعتذرت منها وذهبت في الناحية الأخرى من المكتبة
وأكملت الاستغفار ثم خرجت
بقي منظر تلك الزميلة (المستغفرة الخفية) لا يفارق مخيلتي
وبقيت استحضر ظروفها واستحضر سر استمرار تحملها للألم
بقي ان أخبركم انها تجاوزت تلك الظروف بسلام
ورزقت بزوج صالح وأنجبت طفل غاية في الجمال
ومازالت تواجه ظروف الحياة الجديدة بذلك السلاح العجيب-
-
كانت هذه الحكاية أما الآية فيقول الله تعالى على لسان نبيه:
(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ..) (هود : 52 )
كنت قد بحثت عن طرق امتلاك القوة في الكثير من الكتب الأجنبية التي أدعت ذلك
و جربت الكثير منها
فكان أصدقها ما و جدته في القرآن
( .. اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ..) (هود : 52 )
يقول: ابن كثير: (ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه رزقه ، وسهل عليه أمره وحفظ عليه شأنه وقوته)
وهذه القوة كما قال بعض المفسرين تشمل قوة الإيمان, وقوة الإبدان
فكيف نغفل عن كل هذا؟!
ألا تجد بضع دقائق تستمد فيها قوتك من القوي العزيز .. بالاستغفار؟!
هل تدرك أن صدأ الغفلة مع تراكم الذنوب يورثك ضعفا لا يزيله إلا الاستغفار
ألا تجد مكان تهرب فيه من ضجيج الحياة .. لتعيش لذة الخفاء ونعيم الخلوة بالله؟
مع الله في سبحات الفكر *** مع الله في لمحات البصر
مع الله والقلب في نشوة *** مع الله والنفس تشكو الضجر
المعادلة جدا بسيطة
( اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ) والنتيجة (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)
——————-